فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

سورة الطارق:
{إن كل نفس لما عليها حافظ (4)}
قيل: حافظ لأعماله يحصيها عليه، كما في قوله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
وقيل: حافظ، أي حارس، كقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} [الرعد: 11]، والسياق يشهد للمعنيين معاً، لأن قوله تعالى بعده {فَلْيَنظُرِ الإنسان مم خلق خلق مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} [الطارق: 5-7] يدل على أنه في تلك المراحل في حفظ، فهو أولاً في قرار مكين.
وفي الحديث: «أن الله وكل بالرحم ملكاً» الحديث.
وبعد بلوغه سن التكليف يجري عليه القلم فيحفظ عليه عمله فلا مانه من أرادة المعنيين معاً، وليس هذا من حمل المشترك على معنييه، لأن كلا من المعنيين له متعلق، يختص بزمن خلاف الآخر.
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مم خلق (5)}
الإنسان هنا خاص ببني آدم وذريته عامة، ولم يدخل فيه آدم ولا حواء ولا عيسى عليه السلام لآنه بين ما خلق منه، وهو في قوله تعالى: {خلق مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} الطارق [6-8].
وتقدم للشيخ رحمه الله تعالى علينا وعليه بيان هذه الآية عند قوله تعالى: {خلق الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} [النحل: 4]، وفي سورة الواقعة عند قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} [الواقعة: 58-59]، وتقدمت الإشارة إليه عند قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 2]، في سورة الدهر.
{إِنَّهُ على رجعه لقادر (8)}
{إنه} هنا أي إن الله على رجعه، الضمير فيه قيل: راجع للماء الدافق، أي أنه سبحانه قادر على رجع هذا الماء من حيث خرج، كرد اللبن إلى الضرع مثلاً، ورد الطفل إلى الرحم، وهذا مروي عن عكرمة ومجاهد.
وقيل: على رجع الإنسان بعد الموت، وهذا وإن كان في الأول دلالة على القدرة، ولا يقدر عليه إلاَّ الله، إلاَ أن في السياق ما يدل على أن المراد، هو الثاني لعدة أمور:
الأول: أن رد الماء لم يتعلق به حكم ولا أمر آخر سوى إثبات القدرة بخلاف رجع الإنسان بعد الموت، فهو قضية الإيمان بالبعث. ويتعلق به أحكام يوم القيامة.
الثاني: مجيء القرآن بالخلق الأول، دليل على الإعادة بعد الموت، كقوله تعالى في يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78]-أي من ماء دافق- {قال مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خلق عَلِيمٌ} [يس: 78-79]، أي من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب.
الثالث: أن الأول يحتاج معه إلى تقدير عامل لـ: {يوم تبلى السرائر}، نحو اذكر مثلاً بخلاف الثاني، فإن العامل فيه: هو لقادر، على رجعه يوم تبلى السرائر.
ونقل أبو حيان عن ابن عطية قوله: وكل من خالف ذلك إنما فر من أن يكون {لقادر} هو العامل في الظرف، لأنه يوهم أن قدرته على رجعه مقيدة بذلك. ولكن بتأمل أسلوب العرب يعلم جوازه، لأنه قال: {إِنَّهُ على رجعه لَقَادِرٌ} [الطارق: 8] على الإطلاق أولاً وآخراً، وفي كل وقت ثم ذكر تعالى: وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار، لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب للتحذير منه. اهـ.
فظهر بذلك أن الضمير في {رجعه} عائد للإنسان أي بعد موته بالبعث، وأن العامل هو {لقادر}.
{يوم تبلى السرائر (9)}
تقدم للشيخ رحمة الله علينا وعليه بيانه عند الكلام على قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} [يونس: 30]، وساق عندها هذه الاية، وسيأتي التصريح به في سورة العاديات عند قوله تعالى: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور} [العاديات: 9-10]. وقد أجمل ابتلاء السرائر.
وكذلك أجمل الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بإيراد الآيات.
وذكر المفسرون: أن المراد بها أمانة التكليف فيما لا يعلمه إلاَّ الله، ومثلوا لذلك بالحفاظ على الطهارة للصلاة، وغسل الجنابة، وحفظ الصوم، ونحو ذلك. ومنه العقائد وصدق الإيمان أو النفاق، عياذا بالله.
والسرائر: هي كل ما يخفيه الإنسان حتى في المعاملات مع الناس، كما في الأثر (الكيس من كانت له عند الله خبيثة سر)، وقوله: {وَأَسِرُّواْ قولكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ} [الملك: 13]، فالسر ضد الجهر، وقال الأحوص:
سَيبقى لها في مُضمَر القَلب والحَشا ** سريرة ود يوم تبلى السرائرُ

قال أبو حيان: سمعه الحسن، فقال: ما أغفله عما في السماء والطارق.
{فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا ناصر (10)}
قالوا: ليس من قوة في نفسه لضعفه، ويدل على قوله: {وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً} [الكهف: 48].
وقوله: {خاشعة أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم: 43] أي من الضعف وشدة الخوف، ولا ناصر له من غيره، كما في قوله: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} [الكهف: 43].
وقوله: {يوم لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يومئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].
{وَالسماء ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)}
قيل: رجع السماء: إعادة ضوء النجوم والشمس والقمر.
وقيل: {الرجع}: الملائكة ترجع بأعمال العباد.
وقيل {الرجع}: المطر وأرزاق العباد. والأرض ذات الصدع.
قيل: تنشق عن الخلائق يوم البعث.
وقيل: تنشق بالنبات.
والذي يشهد له القرآن: أن {الرجع} و{الصدع} متقابلان من السماء والأرض بالمطر والنبات، كما في قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طعامه أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً} [عبس: 24-28]، والله تعالى أعلم.
{إِنَّهُ لَقول فَصْلٌ (13)}
قال ابن كثير: قال ابن عباس حق. وكذا قال قتادة، وقال آخرون: حكم عدل.
وقال القرطبي: إنه أي القرآن، يفصل بين الحق والباطل.
وقيل: هو ما تقدم من الوعيد في هذه السورة {إِنَّهُ على رجعه لقادر يوم تبلى السرآئر} [الطارق: 8-9].
وقال أبو حيان بما قال به القرطبي أولاً، ثم جوّز أن يكون مراداً به الثاني، أي أن الإخبار عن رجع الإنسان يوم تبلى السرائر، قول فصل، وهذا ما يفيده كلام ابن جرير، وعزاه النيسابوري إلى القفال.
وسياق السورة يشهد لهذا القول الثاني، لأن السورة كلها في معرض إثبات القدرة على البعث، وإعادة الإنسان بعد الفناء، حيث تضمنت ثلاثة أدلة من أدلة البعث.
الأول: السماء ذات الطارق. لعظم خلقتها، وعظم دلالتها على القدرة.
الثاني: خلق الإنسان أولاً من ماء دافق، كما في قوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79].
الثالث: مجموع قوله: {والسماء ذَاتِ الرجع والأرض ذَاتِ الصدع} [الطارق: 11-12]، أي إنزال المطر، وإنبات النبات وهو إحياء الأرض بعد موتها. فناسب أن يكون الإقسام على تحقق البحث.
وأكد هذا ما جاء بعده من الوعيد بالإمهال رويداً، وقد سمي بيوم الفصل، كما في قوله: {لأَيِّ يوم أُجِّلَتْ لِيوم الفصل وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يوم الفصل وَيْلٌ يومئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 12-15].
وذكر الويل في هذه الآية للمكذبين يعادل الإمهال في هذه السورة للكافرين، وإذا ربطنا بين القسم والمقسم عليه، لكان أظهر وأوضح، لن رجع الماء بعد فنائه بتلقيح السحاب من جديد يعادل رجع الإنسان بعد فنائه في الأرض، وتشقق الأرض عن النبات يناسب تشققها يوم البعث عن الخلائق، والله تعالى أعلم.
{إِنَّهُمْ يكيدون كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)}
نسبة هذا الفعل له تعالى قالوا إنه: من باب المقابلة كقوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54]، وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14-15]، وهو في اللغة، كقول القائل، لما سئل عن أي الطعام يريد، وهو عارٍ يريد كسوة.
قالوا اختر طعاماً نجد لك طبخة ** قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

وقد اتفق السلف، أنه لا ينسب إلى الله تعالى على سبيل الإطلاق، ولا يجوز أن يشتق له منه اسم، وإنما يطلق في مقابل فعل العباد، لأنه في غير المقابلة فهو في غاية العلم والحكمة والقدرة، والكيد أصله المعالجة للشيء بقوة.
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: والعرب قد تطلق الكيد على المكر، والعرب قد يسمون المكر كيداً، قال الله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} [الطور: 42]، وعليه فالكيد هنا لم يبين، فإذا كان بمعنى المكر، فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان شيء منه عند قوله تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين} [آل عمران: 54]، بأن مكرهم محاولتهم قتل عيسى، ومكر الله إلقاء الشبه، أي شبه عيسى على غير عيسى.
وتقدم قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل: 26]، وهذا في قصد النمرود، فكان مكرهم بنيان الصرح ليصعد إلى السماء، فكان مكر الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالنباء، فأتى بنيانهم من القواعد، فهدمه عليهم.
وهكذا الكيد هنا، إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم، والله يكيد لهم بالاستدراج حتى ياتي موعد إهلاكهم، وقد وقع تحقيقه في بدر، إذ خرجوا محادة الله ورسوله، وفي خيلائهم ومفاخرتهم وكيد الله لهم أن قلل المؤمنين في أعينهم، حتى طمعوا في القتال، وأمطر ارض المعركة، وهم في أرض السبخة، والمسلمون في أرض وملية فكان زلقاً عليهم وثباتاً للمؤمنين، ثم انزل ملائكته لقتالهم. والله تعالى أعلم.
{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب، ما نصه: هذا الإمهال المذكور هنا ينافي قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] الاية.
والجواب: أن الأمهال منسوخ بآيات السيف اهـ.
وهذا ما لا يفيده كلام الطبري، وإن لم يصرح به وهو منصوص القرطبي. ولعل في نفس الآية ما يدل على ذلك وهو قوله: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}، أمهلهم رويداً بمعنى قليلاً، فقد قيل الإمهال بالقلة مما يشعر بمجيء النسخ وأنه ليس نهائياً. والله تعالى أعلم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَالسماء وَالطَّارِقِ (1)}
أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت {والسماء والطارق} بمكة.
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وابن مردويه والطبراني عن خالد العدواني أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ثقيف، وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي النصر عندهم، فسمعه يقرأ {والسماء والطارق} حتى ختمها.
قال: فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإِسلام.
وأخرج النسائي عن جابر قال: صلى معاذ المغرب فقرأ البقرة والنساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ، أما يكفيك أن تقرأ {والسماء والطارق} {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] ونحو هذا؟».
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {والسماء والطارق} قال: أقسم ربك بالطارق وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس {والسماء والطارق} فقال: {وما أدراك ما الطارق} فقلت: {فلا أقسم بالخنس} [التكوير: 15] فقال: {الجواري الكنس} [التكوير: 15] فقلت: {والمحصنات من النساء} [النساء: 24] فقال: {إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] فقلت: ما هذا؟ فقال: ما أعلم منها إلا ما تسمع.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {والسماء والطارق} قال: وما يطرق فيها {إن كل نفس لما عليها حافظ} قال: كل نفس عليها حفظة من الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله: {النجم الثاقب} قال: النجم المضيء {إن كل نفس لما عليها حافظ} قال: إلا عليها حافظ.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {والسماء والطارق} قال: النجم يخفى بالنهار ويبدو بالليل {إن كل نفس لما عليها حافظ} قال: حفظ كل نفس عمله وأجله ورزقه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {والسماء والطارق} قال: هو ظهور النجم بالليل، يقول: يطرقك بالليل {النجم الثاقب} قال: المضيء {إن كل نفس لما عليها حافظ} قال: ما كل نفس إلا عليها حافظ.
قال: وهم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك، فإذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {النجم الثاقب} قال: الذي يتوهج.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: {النجم الثاقب} الثريا.
وأخرج ابن المنذر عن خصيف {النجم الثاقب} قال: مم يثقب من يسترق السمع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {إن كل نفس لما عليها حافظ} مثقلة منصوبه اللام.
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {فلينظر الإِنسان مم خلق} قال: هو أبو الأشدين كان يقوم على الأديم فيقول: يا معشر قريش من أزالني عنه فله كذا وكذا، ويقول: إن محمداً يزعم أن خزنة جهنم تسعة عشر، فأنا أكفيكم وحدي عشرة واكفوني أنتم تسعة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يخرج من بين الصلب والترائب} قال: صلب الرجل، وترائب المرأة لا يكون الولد إلا منهما.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبزى قال: {الصلب} من الرجل و{الترائب} من المرأة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس {يخرج من بين الصلب والترائب} قال: ما بين الجيد والنحر.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: الترائب أسفل من التراقي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والترائب} قال: تريبة المرأة، وهو موضع القلادة.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {يخرج من بين الصلب والترائب} قال: {الترائب} موضع القلادة من المرأة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت قول الشاعر:
والزعفران على ترائبها ** شرفا به اللبات والنحر

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه سئل عن قوله: {يخرج من بين الصلب والترائب} قال: صلب الرجل وترائب المرأة أما سمعت قول الشاعر:
نظام اللؤلؤ على ترائبها ** شرفاً به اللبات والنحر

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: {الترائب} الصدر.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وعطية وأبي عياض مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: {الترائب} أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الأعمش قال: يخلق العظام والعصب من ماء الرجل، ويخلق اللحم والدم من ماء المرأة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يخرج من بين الصلب والترائب} قال: يخرج من بين صلبه ونحره {إنه على رجعه لقادر} قال: إن الله على بعثه وإعادته لقادر {يوم تبلى السرائر} قال: إن هذه السرائر مختبرة فأسروا خيراً وأعلنوه {فما له من قوة} يمتنع بها {ولا ناصر} ينصره من الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {إنه على رجعه لقادر} قال: على أن يجعل الشيخ شاباً والشاب شيخاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {إنه على رجعه لقادر} قال: على رجع النطفة في الإِحليل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة {إنه على رجعه لقادر} قال: على أن يرجعه في صلبه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبزى قال: على أن يرده نطفة في صلب أبيه.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن {إنه على رجعه لقادر} قال: على إحيائه.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن خيثم {يوم تبلى السرائر} قال: {السرائر} التي تخفين من الناس، وهن لله بواد داووهن بدوائهن. قيل: وما بدوائهن؟ قال: أن تتوب ثم لا تعود.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء في قوله: {تبلى السرائر} قال: الصوم والصلاة وغسل الجنابة.
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مثله.
وأخرج ابن البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضمن الله خلقه أربعة: الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة، وهن السرائر التي قال الله: {يوم تبلى السرائر}».
{وَالسماء ذَاتِ الرَّجْعِ (11)}
أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {والسماء ذات الرجع} قال: المطر بعد المطر {والأرض ذات الصدع} قال: صدعها عن النبات.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعكرمة وأبي مالك وابن أبزى والربيع بن أنس مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {والسماء ذات الرجع} قال: السحاب تمطر ثم ترجع بالمطر {والأرض ذات الصدع} قال: المازم غير الأودية والجروف.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء {والسماء ذات الرجع} قال: ترجع بالمطر كل عام {والأرض ذات الصدع} قال: تصدع بالنبات كل عام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {والأرض ذات الصدع} قال: صدع الأودية.
وأخرج ابن مندة والديلمي عن معاذ بن أنس مرفوعاً {والأرض ذات الصدع} قال: تصدع بإذن الله عن الأموال والنبات.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والسماء ذات الرجع} قال: ترجع إلى العباد برزقهم كل عام لولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم {والأرض ذات الصدع} قال: تصدع عن النبات والثمار كما رأيتم {إنه لقول فصل} قال: قول حكم {وما هو بالهزل} قال: ما هو باللعب {فمهل الكافرين أمهلهم رويداً} قال: الرويد القليل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وما هو بالهزل} قال: القرآن ليس بالباطل واللعب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قيس بن رفاعة وهو يقول:
وما أدري وسوف أخال أدري ** أهزل ذا كم أم قول جد

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن جبير {وما هو بالهزل} قال: وما هو باللعب.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جبريل فقال يا محمد: إن أمتك مختلفة بعدك. قلت فأين المخرج يا جبريل؟ فقال: كتاب الله به يقصم كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، قول فصل ليس بالهزل».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أنه لقول فصل} قال: حق {وما هو بالهزل} قال: بالباطل، وفي قوله: {أمهلهم رويداً} قال: قريباً.
وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله: {فمهل الكافرين أمهلهم رويداً} قال: أمهلهم حتى آمر بالقتال.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي ومحمد بن نصر وابن الأنباري في المصاحف عن الحارث الأعور قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الأحاديث، فأتيت عليّاً فأخبرته، فقال: أوقد فعلوها؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس منه الألسن، ولا يخلق من الرد، ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد} [الجن: 1]، من قال به صدق، ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم».
وأخرج محمد بن نصر والطبراني عن معاذ بن جبل قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الفتن فعظمها وشددها فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله فما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله فيه المخرج، فيه حديث ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم، من تركه من جبار يقصمه الله، ومن يبتغي الهدى في غيره يضله الله، وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم. هو الذي لما سمعته الجن لم تتناه أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد} [الجن: 1] هو الذي لا تختلف به الألسن ولا تخلقه كثرة الرد». اهـ.